بحـث
بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
سر الوهج الروحي لليوغا
صفحة 1 من اصل 1
سر الوهج الروحي لليوغا
سرُّ النار الداخلية أو الوهج الروحي... الشافي!
على رغم ذخائر المعرفة المتاحة اليوم، يبقى الإنسان كوناً محوطاً بالألغاز زاخراً بالطلاسم، لهذا السبب، يبقى الإنسان أخصب حقل للبحث، وأغنى منجم للتنقيب!.
وإحدى حقول البحث التي تجذب متزايد الاهتمام، تأثير عقل الإنسان على جسمه، وهناك عشرات الظواهر البشرية التي تشير من قريب أو بعيد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى وجود تأثير للعقل على الجسم، لكن المحير بشأن هذه الظواهر جميعاً هو: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر عقل الإنسان على جسمه، وكيف يمكن تحقيق ذلك التأثير وتوجيهه وجهة إيجابية؟!.
في دراسة أجريت حديثاً حول تأثير العقل على الجسم، كانت »اليوجا«، أو بالدقة من يزاولونها، موضع تمحيص وتجريب، فما هو الجديد الذي كشفت عنه دراسة »اليوجا«؟!
منذ آلاف خلت من السنين، كان يوجد في موقع »باكستان« الحالي حضارة تسمى حضارة »وادي إندس« Indus Valley، وقد ازدهرت تلك الحضارة فيما بين عام ألفين وخمسمائة قبل الميلاد إلى عام ألف وسبعمائة قبل الميلاد (????ق.م ـ ????ق.م)، وقد اندثرت تلك الحضارة حول عام ألف وخمسمائة قبل الميلاد (????ق.م) عندما تعرضت لغزو »الآريين« «Aryansس.
والآريون شعب يعتقد أنه كان يعيش في أواسط آسيا في تلك الحقبة من الزمن، وأنه تحرك غربا لغزو أوروبا وشرقا لغزو الهند، ومن الجنس الآري تنحدر سائر الشعوب الأوروبية.
الثابت من آثار حضارة »وادي إندس« أن »اليوجا« Yoga نشأت عندهم، ثم توارثتها الأجيال المتعاقبة في الهند كثقافة مميزة، والمتفحص لفلسفات الهند وثقافاتها يجد أن »اليوجا« تتغلغل بعمق، بحيث تكاد تكون حجر الزاوية في الفلسفة الهندية!.
اليوجا إذن فلسفة هندية، وهي فلسفة تصطبغ بطابع ديني، وقوامها التأمل وضبط النفس توصلاً إلى اتحاد الروح بالذات الإلهية! وتحقيقاً لذلك، تقوم »اليوجا« على الزهد والتقشف للانتصار على الأهواء والشهوات، وعلى تمرينات صارمة غايتها تمتع الإنسان بجسم وعقل سليمين وتعزيز سيطرته عليهما.
هذا هو لب اليوجا بشكل عام، بيد أن اختلافاً في نواح معينة يحدث تبعاً للثقافة الهندية التي تتبنى اليوجا، ففي الهندوسية، تركز اليوجا على السيطرة على البدن، بينما في البوذية، تهتم اليوجا بالتأمل وتحقيق الخلاص الروحي من الماديات.
ولم تحظ اليوجا بمكانة مرموقة في أي مكان بقدر ما حظيت به في هضبة التبت، و»التبت« Tibet »منطقة إدارية« (مقاطعة) في غرب الصين، تحيط بها سلسلة جبال »هيمالايا« و»كنلون« وقد غزت »البوذية« Buddhism عقول الناس في التبت في القرن السابع الميلادي، وتركت أثراً عميقاً هناك، إلى الحد الذي أدى بأحبار (أو رهبان) البوذية إلى الاستيلاء على السلطة السياسية في القرن الثالث عشر الميلادي!.
وفي بداية سيطرة الأحبار أو الرهبان البوذيين على السلطة في التبت، كانت المنطقة مقسمة إلى نصفين شرقي وغربي، وكان الراهب يلقب »لاما« Lama أما الحاكم فكان يلقب »دالاي لاما« Dalai Lama وفي ظل »دالاي لاما« الخامس، توحدت التبت عام ????م لتصبح أول دولة من نوعها في العالم تزاول اليوجا كرياضة يومية روحية، ويعتبر التمكن من ممارساتها سبيلا يرتقي بالراهب إلى السلطة السياسية وسدة الحكم! وقد استمر الحال على ذلك في التبت، إلى أن غزتها الصين عام ???? وفرضت عليها الحكم الشيوعي عنوة، ففر »دالاي لاما« وآلاف من أتباعه لاجئين إلى الهند، وعلى الرغم وجوده في الهند، فإن »دالاي لاما« الرابع عشر، آخر حكام التبت من أحبار البوذية، له تأثير قوي ونفوذ واسع بين سكان التبت!.
التجربة
لسنا نهدف من هذا السرد إلى استعراض تاريخ التبت بقدر ما نهدف إلى إيضاح أن »اليوجا« بلغت شأواً عظيماً في تلك البقعة من العالم، وطبيعي والحال كذلك أن يقع الاختيار على الضالعين في اليوجا من سكان التبت لدراسة هذه الظاهرة: تأثير العقل على الجسد، سيما وأنها ترتبط باليوجا برباط وثيق.
وهذا ما قامت به جماعة من العلماء الأميركيين، في مقدمهم طبيب يدعى »هيربرت بنسون« (Dr. Herbert Benson) فبعد استئذان »دالاي لاما«، وقع الاختيار على ثلاثة من الرهبان (الأحبار أو القساوسة) الضالعين في اليوجا ليكونوا موضع دراسة، وقد أجريت الدراسة في منطقة في التبت تقع في أحضان جبال هيمالايا (اسمها »دارامسالا« (Dharamsala) في عام ????م.
موضوع التجربة هو قدرة ممارس اليوجا على رفع درجة حرارة جسمه، بغض النظر عن الظروف المناخية المحيطة به، فيما يعتبر تأثيراً مباشراً للعقل على الجسم! إذ يزعم ممارس اليوجا أنه يزيد اشتعال »النار الداخلية« أثناء جلسة التأمل، وذلك بتركيز ذهنه وتفكيره على إضرام تلك النار، مما يؤدي إلى شعوره بالدفء (نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم) حتى في أشد أيام الشتاء برداً وزمهريراً!.
وعلى ذلك، فإن الغرض من التجربة كان إثبات حدوث ارتفاع في درجة حرارة جسم ممارس اليوجا، وقياس ذلك الارتفاع بالأجهزة المتخصصة، وتحقيقاً لذلك، قام العلماء الأميريكيون بتوصيل أجهزتهم إلى أماكن متفرقة من جسم كل راهب، بحيث يمكن تسجيل درجة حرارة الجسم من على الجبهة ومن أطراف أصابع اليد ومن أطراف أصابع القدم. (اختير الجانب الأيسر من الجسم لهذا الغرض، دون أن يكون هناك سبب معين للتفضيل)، كذلك وجدت توصيلات لقياس درجة حرارة الأجزاء من الجسم المكسوة بثياب، مثل المنطقة المحيطة بالثدي (الأيسر) والسرة والفخذ والساق، ومن قبيل الفضول، استخدم مقياس لعد ضربات القلب في الدقيقة.
أجريت التجربة على كل راهب على حدة، أما الكيفية فكانت بالسماح لكل راهب بفترة من التأمل (على عادته في اليوجا) تراوحت بين أربعين إلى ثمانين دقيقة، يستريح بعدها الراهب لمدة ثلاثين دقيقة، ويجري تشغيل الأجهزة طوال فترة التجربة، على أن تكون هناك قراءة لدرجة الحرارة من المواضع المختلفة، وكذا لضربات القلب، مرة كل خمس دقائق، (فترة الراحة محسوبة من وقت التجربة).
نتائج التجربة مثيرة للدهشة حقاً، فقد تراوحت درجة حرارة الجو أثناء إجراء التجربة على الرهبان الثلاثة بين ست عشرة وتسع عشرة درجة مئوية، ومع ذلك، استطاع كل واحد من الرهبان الثلاثة رفع درجة حرارة جسمه بمقدار يدعو إلى الذهول.
كان الارتفاع في درجة حرارة معظم مناطق الجسم سالفة الذكر طفيفا، باستثناء أصابع اليد والقدم، فقد ارتفعت درجة حرارة أصابع يد الراهب الأول بمقدار ?،?م (أكثر من سبع درجات مئوية) وأصابع قدمه بمقدار سبع درجات مئوية (?م) أما الراهب الثاني، فكان الارتفاع في درجة حرارة أصابع يده بمقدار ?،?م، وفي أصابع قدمه كان الارتفاع بمقدار ??،?م! بينما بلغ الارتفاع في درجة حرارة أصابع يد الراهب الثالث أربع درجات مئوية (?م) وفي أصابع قدمه ?،?م! وأثناء فترة الاستراحة، انخفضت درجات الحرارة المذكورة بمقدار ضئيل، وأوضح الرهبان أنهم مازالوا يشعرون بالدفء.
أما ضربات القلب فلم يحدث فيها تغير عند اثنين من الرهبان موضع التجربة، ولكنها ارتفعت عند الراهب الثالث إلى تسعين ضربة في الدقيقة أثناء جلسة التأمل، ثم انخفضت إلى ستين ضربة في الدقيقة أثناء فترة الراحة. (»التأمل« Meditation في اليوجا هو الجلوس في هيئة معينة، بحيث يستريح الجسم وتسترخي عضلاته وتسكن حركة أعضائه تماماً، ثم إطلاق العنان للفكر لاستكناه خاطرة معينة، أو تركيز الذهن على فكرة معينة، بهدف تحقيق السلام النفسي وإحكام الهيمنة على الجسم وحركاته وانفعالاته).
سر النار الداخلية
قدرة ممارس اليوجا على رفع درجة حرارة جسمه ليست إلا واحدة من ست قدرات (خارقة) يلزم أن يتمكن من ممارس اليوجا، قبل أن يجرى اختياره كراهب (أو »لاما« ـ حسب التسمية الشائعة في »التبت«).
وهناك سيدة فرنسية (تدعى »ألكسندرا دافيد ـ نيل« Alexandra - Dabid - Neel) عاشت في منطقة »التبت« تسعة عشر عاما، وانخرطت في سلك اليوجا إلى أن اختيرت »لاما«، وربما يكون في تجربة هذه السيدة ما يشرح كيفية رفع درجة حرارة الجسم عند ممارس اليوجا.
يتدرب المبتدئ في مزاولة اليوجا على التحكم في عملية التنفس، كخطوة أولى على طريق السيطرة على البدن ووظائفه، ثم يتجه التدريب نحو اكتساب القدرة على »التخيل البصري« visualization ـ أي تركيز الذهن على صورة معينة متخيلة لا يتجاوزها، وهذه عملية شاقة تستلزم شهوراً ـ وأحياناً سنوات ـ من التدريب المستمر قبل أن يتمكن الإنسان من اكتساب هذه القدرة! (جرب أن تقوم بهذا العمل لمدة خمس دقائق فحسب، لتدرك مدى الصعوبة).
بعد أن يتمكن المبتدئ من أساليب التحكم في التنفس إلى الحد الذي يمكنه من التنفس من فتحة واحدة من فتحتي الأنف دون أن يغلق الأخرى، وبعد أن يتمكن من ملكة التخيل البصري، يسمح له أن يبدأ جلسات التأمل، وعادة يبدأ التدريب على جلسات التأمل في فضاء رحب، وقبل طلوع الشمس، حيث يجلس المتعلم الجلسة الخاصة بالتأمل على الأرض دون بساط تحته، وفي منطقة التبت، فقد يعني ذلك الجلوس على الجليد!.
أما كيفية رفع درجة حرارة الجسم أثناء جلسات التأمل، فيمكن تلخيصها على النحو التالي: عندما يصل ممارس اليوجا ـ أثناء جلسته ـ إلى المرحلة من السكينة والهدوء التي تمكنه من استخدام التخيل البصري، فإنه يتخيل ناراً داخلية في جسمه، ويركز ذهنه على إضرام تلك النار وزيادة أوارها، ويتخيل أن أنفاسه مروحة كبيرة تذكي النار وتزيد لهيبها، ولذلك فإنه يتنفس بطريقة معينة منتظمة، كما لو كانت أنفاسه مروحة تتحرك حركة منتظمة محسوبة، ثم يتخيل أن الحرارة المنبعثة من النار تنتشر في جسمه عبر شبكة توصيلات (متخيلة) لتشيع الدفء في جسمه كله! وقبل نهاية جلسة التأمل، يتخيل ممارس اليوجا أن النار الداخلية تخبو رويداً رويداً إلى أن تخمد جذوتها تماماً!.
وهذه المهارة أو القدرة على إذكاء النار الداخلية لرفع درجة حرارة الجسم، يلزم إظهارها في امتحان يجرى على مزاولي اليوجا في التبت قبل اختيارهم كرهبان، وعادة تختار ليلة مقمرة باردة لإجراء الامتحان، فيجلس المتقدم للامتحان عارياً على حافة نهر أو بحيرة تجمد ماؤها، ثم يلف جسمه بثوب قطني غُمس للتو في ماء مثلج! والهدف من الامتحان أن يقوم المتقدم بتجفيف الثوب القطني، مستعيناً بالنار الداخلية!.
توجيه تأثير العقل
المعروف من علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا أو الفسلجة Physiology) أن تنظيم درجة حرارة الجسم عملية لا إرادية، فكيف يمكن تفسير قدرة بعض ممارسي اليوجا على رفع درجة حرارة أجسامهم كلما أرادوا ذلك؟!.
بعض الأطباء فسر ذلك بأن ممارس اليوجا يستطيع إحداث توسع في الأوعية الدموية، خصوصاً الأوعية الدموية في الأطراف، مما يترتب عليه زيادة تدفق الدم في المناطق من الجسم التي تغذيها تلك الأوعية، وبالتالي ترتفع درجة الحرارة! وعلى رغم أن هذا التفسير يشرح العملية التي تتم بها توزيع الحرارة في الجسم في الظروف العادية، إلا أنه مرفوض في سياق الكلام عن اليوجا، لأن توسيع وتضييق الأوعية الدموية عملية لا إرادية ـ مثلها في ذلك مثل تنظيم درجة حرارة الجسم.
في ضوء المعرفة الطبية المتاحة اليوم، لا يمكن تفسير القدرة على رفع درجة حرارة الجسم بصورة إرادية، إلا إذا قبلنا وجود تأثير للعقل على الجسم، وقبلنا كذلك أنه من خلال توجيه تأثير العقل يمكن التحكم في العمليات والوظائف اللاإرادية في الجسم، علاوة على التحكم في العمليات والوظائف الإرادية.
وأمام النتائج الحاسمة للتجربة المذكورة، لا يملك الإنسان إلا التسليم بوجود تأثير للعقل على الجسم! فإذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، يكون السؤال المطروح هو: هل يمكن توجيه تأثير العقل على الجسم وجهة إيجابية؟! بتعبير آخر: هل يمكن الاستفادة من تأثير العقل على الجسم في الوقاية من المرض ـ مثلا ـ أو في علاج أمراض موجودة فعلا؟!.
هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن »التخيل البصري« يمكن استخدامه كأداة علاجية، خصوصاً في الأمراض المستعصية، فمثلا يستطيع المريض المصاب بالسرطان أن يتخيل خلايا دفاعية في جسمه تهاجم وتقتل خلايا السرطان! ويستطيع مريض قرحة المعدة تخيل خلايا ترتق قرحته!... وهكذا، وجدير بالذكر أن هذه الطريقة استخدمت بالفعل بنجاح كبير مع عدد من مرضى السرطان، بيد أنها لم تحظ بالانتشار بسبب عدم إقرار الأوساط الطبية لها.
على أي حال، فإن إنكار الأوساط الطبية وغيرها لظاهرة تأثير العقل على الجسم يذكرنا بإنكار الأوساط العلمية والكنسية لآراء »جاليليو« التي جاء فيها أن الأرض تتحرك وليست »جسما ثابتا في مركز الكون« كما كان يشيع الاعتقاد في ذلك الزمن! »جاليليو جاليلي Galileo Galilei (???? ـ ????) عالم إيطالي في الرياضيات والفيزياء والفلك«.
ويوم تقر الأوساط الطبية والعلمية بحقيقة تأثير العقل على الجسم، فمن المنظور أن يتغير شكل الممارسة الطبيعة وأسلوبها بصورة جذرية! ويوم يتحقق ذلك، فقد تصبح عبارة »أمراض مستعصية« من أخبار الماضي!.
على رغم ذخائر المعرفة المتاحة اليوم، يبقى الإنسان كوناً محوطاً بالألغاز زاخراً بالطلاسم، لهذا السبب، يبقى الإنسان أخصب حقل للبحث، وأغنى منجم للتنقيب!.
وإحدى حقول البحث التي تجذب متزايد الاهتمام، تأثير عقل الإنسان على جسمه، وهناك عشرات الظواهر البشرية التي تشير من قريب أو بعيد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى وجود تأثير للعقل على الجسم، لكن المحير بشأن هذه الظواهر جميعاً هو: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر عقل الإنسان على جسمه، وكيف يمكن تحقيق ذلك التأثير وتوجيهه وجهة إيجابية؟!.
في دراسة أجريت حديثاً حول تأثير العقل على الجسم، كانت »اليوجا«، أو بالدقة من يزاولونها، موضع تمحيص وتجريب، فما هو الجديد الذي كشفت عنه دراسة »اليوجا«؟!
منذ آلاف خلت من السنين، كان يوجد في موقع »باكستان« الحالي حضارة تسمى حضارة »وادي إندس« Indus Valley، وقد ازدهرت تلك الحضارة فيما بين عام ألفين وخمسمائة قبل الميلاد إلى عام ألف وسبعمائة قبل الميلاد (????ق.م ـ ????ق.م)، وقد اندثرت تلك الحضارة حول عام ألف وخمسمائة قبل الميلاد (????ق.م) عندما تعرضت لغزو »الآريين« «Aryansس.
والآريون شعب يعتقد أنه كان يعيش في أواسط آسيا في تلك الحقبة من الزمن، وأنه تحرك غربا لغزو أوروبا وشرقا لغزو الهند، ومن الجنس الآري تنحدر سائر الشعوب الأوروبية.
الثابت من آثار حضارة »وادي إندس« أن »اليوجا« Yoga نشأت عندهم، ثم توارثتها الأجيال المتعاقبة في الهند كثقافة مميزة، والمتفحص لفلسفات الهند وثقافاتها يجد أن »اليوجا« تتغلغل بعمق، بحيث تكاد تكون حجر الزاوية في الفلسفة الهندية!.
اليوجا إذن فلسفة هندية، وهي فلسفة تصطبغ بطابع ديني، وقوامها التأمل وضبط النفس توصلاً إلى اتحاد الروح بالذات الإلهية! وتحقيقاً لذلك، تقوم »اليوجا« على الزهد والتقشف للانتصار على الأهواء والشهوات، وعلى تمرينات صارمة غايتها تمتع الإنسان بجسم وعقل سليمين وتعزيز سيطرته عليهما.
هذا هو لب اليوجا بشكل عام، بيد أن اختلافاً في نواح معينة يحدث تبعاً للثقافة الهندية التي تتبنى اليوجا، ففي الهندوسية، تركز اليوجا على السيطرة على البدن، بينما في البوذية، تهتم اليوجا بالتأمل وتحقيق الخلاص الروحي من الماديات.
ولم تحظ اليوجا بمكانة مرموقة في أي مكان بقدر ما حظيت به في هضبة التبت، و»التبت« Tibet »منطقة إدارية« (مقاطعة) في غرب الصين، تحيط بها سلسلة جبال »هيمالايا« و»كنلون« وقد غزت »البوذية« Buddhism عقول الناس في التبت في القرن السابع الميلادي، وتركت أثراً عميقاً هناك، إلى الحد الذي أدى بأحبار (أو رهبان) البوذية إلى الاستيلاء على السلطة السياسية في القرن الثالث عشر الميلادي!.
وفي بداية سيطرة الأحبار أو الرهبان البوذيين على السلطة في التبت، كانت المنطقة مقسمة إلى نصفين شرقي وغربي، وكان الراهب يلقب »لاما« Lama أما الحاكم فكان يلقب »دالاي لاما« Dalai Lama وفي ظل »دالاي لاما« الخامس، توحدت التبت عام ????م لتصبح أول دولة من نوعها في العالم تزاول اليوجا كرياضة يومية روحية، ويعتبر التمكن من ممارساتها سبيلا يرتقي بالراهب إلى السلطة السياسية وسدة الحكم! وقد استمر الحال على ذلك في التبت، إلى أن غزتها الصين عام ???? وفرضت عليها الحكم الشيوعي عنوة، ففر »دالاي لاما« وآلاف من أتباعه لاجئين إلى الهند، وعلى الرغم وجوده في الهند، فإن »دالاي لاما« الرابع عشر، آخر حكام التبت من أحبار البوذية، له تأثير قوي ونفوذ واسع بين سكان التبت!.
التجربة
لسنا نهدف من هذا السرد إلى استعراض تاريخ التبت بقدر ما نهدف إلى إيضاح أن »اليوجا« بلغت شأواً عظيماً في تلك البقعة من العالم، وطبيعي والحال كذلك أن يقع الاختيار على الضالعين في اليوجا من سكان التبت لدراسة هذه الظاهرة: تأثير العقل على الجسد، سيما وأنها ترتبط باليوجا برباط وثيق.
وهذا ما قامت به جماعة من العلماء الأميركيين، في مقدمهم طبيب يدعى »هيربرت بنسون« (Dr. Herbert Benson) فبعد استئذان »دالاي لاما«، وقع الاختيار على ثلاثة من الرهبان (الأحبار أو القساوسة) الضالعين في اليوجا ليكونوا موضع دراسة، وقد أجريت الدراسة في منطقة في التبت تقع في أحضان جبال هيمالايا (اسمها »دارامسالا« (Dharamsala) في عام ????م.
موضوع التجربة هو قدرة ممارس اليوجا على رفع درجة حرارة جسمه، بغض النظر عن الظروف المناخية المحيطة به، فيما يعتبر تأثيراً مباشراً للعقل على الجسم! إذ يزعم ممارس اليوجا أنه يزيد اشتعال »النار الداخلية« أثناء جلسة التأمل، وذلك بتركيز ذهنه وتفكيره على إضرام تلك النار، مما يؤدي إلى شعوره بالدفء (نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم) حتى في أشد أيام الشتاء برداً وزمهريراً!.
وعلى ذلك، فإن الغرض من التجربة كان إثبات حدوث ارتفاع في درجة حرارة جسم ممارس اليوجا، وقياس ذلك الارتفاع بالأجهزة المتخصصة، وتحقيقاً لذلك، قام العلماء الأميريكيون بتوصيل أجهزتهم إلى أماكن متفرقة من جسم كل راهب، بحيث يمكن تسجيل درجة حرارة الجسم من على الجبهة ومن أطراف أصابع اليد ومن أطراف أصابع القدم. (اختير الجانب الأيسر من الجسم لهذا الغرض، دون أن يكون هناك سبب معين للتفضيل)، كذلك وجدت توصيلات لقياس درجة حرارة الأجزاء من الجسم المكسوة بثياب، مثل المنطقة المحيطة بالثدي (الأيسر) والسرة والفخذ والساق، ومن قبيل الفضول، استخدم مقياس لعد ضربات القلب في الدقيقة.
أجريت التجربة على كل راهب على حدة، أما الكيفية فكانت بالسماح لكل راهب بفترة من التأمل (على عادته في اليوجا) تراوحت بين أربعين إلى ثمانين دقيقة، يستريح بعدها الراهب لمدة ثلاثين دقيقة، ويجري تشغيل الأجهزة طوال فترة التجربة، على أن تكون هناك قراءة لدرجة الحرارة من المواضع المختلفة، وكذا لضربات القلب، مرة كل خمس دقائق، (فترة الراحة محسوبة من وقت التجربة).
نتائج التجربة مثيرة للدهشة حقاً، فقد تراوحت درجة حرارة الجو أثناء إجراء التجربة على الرهبان الثلاثة بين ست عشرة وتسع عشرة درجة مئوية، ومع ذلك، استطاع كل واحد من الرهبان الثلاثة رفع درجة حرارة جسمه بمقدار يدعو إلى الذهول.
كان الارتفاع في درجة حرارة معظم مناطق الجسم سالفة الذكر طفيفا، باستثناء أصابع اليد والقدم، فقد ارتفعت درجة حرارة أصابع يد الراهب الأول بمقدار ?،?م (أكثر من سبع درجات مئوية) وأصابع قدمه بمقدار سبع درجات مئوية (?م) أما الراهب الثاني، فكان الارتفاع في درجة حرارة أصابع يده بمقدار ?،?م، وفي أصابع قدمه كان الارتفاع بمقدار ??،?م! بينما بلغ الارتفاع في درجة حرارة أصابع يد الراهب الثالث أربع درجات مئوية (?م) وفي أصابع قدمه ?،?م! وأثناء فترة الاستراحة، انخفضت درجات الحرارة المذكورة بمقدار ضئيل، وأوضح الرهبان أنهم مازالوا يشعرون بالدفء.
أما ضربات القلب فلم يحدث فيها تغير عند اثنين من الرهبان موضع التجربة، ولكنها ارتفعت عند الراهب الثالث إلى تسعين ضربة في الدقيقة أثناء جلسة التأمل، ثم انخفضت إلى ستين ضربة في الدقيقة أثناء فترة الراحة. (»التأمل« Meditation في اليوجا هو الجلوس في هيئة معينة، بحيث يستريح الجسم وتسترخي عضلاته وتسكن حركة أعضائه تماماً، ثم إطلاق العنان للفكر لاستكناه خاطرة معينة، أو تركيز الذهن على فكرة معينة، بهدف تحقيق السلام النفسي وإحكام الهيمنة على الجسم وحركاته وانفعالاته).
سر النار الداخلية
قدرة ممارس اليوجا على رفع درجة حرارة جسمه ليست إلا واحدة من ست قدرات (خارقة) يلزم أن يتمكن من ممارس اليوجا، قبل أن يجرى اختياره كراهب (أو »لاما« ـ حسب التسمية الشائعة في »التبت«).
وهناك سيدة فرنسية (تدعى »ألكسندرا دافيد ـ نيل« Alexandra - Dabid - Neel) عاشت في منطقة »التبت« تسعة عشر عاما، وانخرطت في سلك اليوجا إلى أن اختيرت »لاما«، وربما يكون في تجربة هذه السيدة ما يشرح كيفية رفع درجة حرارة الجسم عند ممارس اليوجا.
يتدرب المبتدئ في مزاولة اليوجا على التحكم في عملية التنفس، كخطوة أولى على طريق السيطرة على البدن ووظائفه، ثم يتجه التدريب نحو اكتساب القدرة على »التخيل البصري« visualization ـ أي تركيز الذهن على صورة معينة متخيلة لا يتجاوزها، وهذه عملية شاقة تستلزم شهوراً ـ وأحياناً سنوات ـ من التدريب المستمر قبل أن يتمكن الإنسان من اكتساب هذه القدرة! (جرب أن تقوم بهذا العمل لمدة خمس دقائق فحسب، لتدرك مدى الصعوبة).
بعد أن يتمكن المبتدئ من أساليب التحكم في التنفس إلى الحد الذي يمكنه من التنفس من فتحة واحدة من فتحتي الأنف دون أن يغلق الأخرى، وبعد أن يتمكن من ملكة التخيل البصري، يسمح له أن يبدأ جلسات التأمل، وعادة يبدأ التدريب على جلسات التأمل في فضاء رحب، وقبل طلوع الشمس، حيث يجلس المتعلم الجلسة الخاصة بالتأمل على الأرض دون بساط تحته، وفي منطقة التبت، فقد يعني ذلك الجلوس على الجليد!.
أما كيفية رفع درجة حرارة الجسم أثناء جلسات التأمل، فيمكن تلخيصها على النحو التالي: عندما يصل ممارس اليوجا ـ أثناء جلسته ـ إلى المرحلة من السكينة والهدوء التي تمكنه من استخدام التخيل البصري، فإنه يتخيل ناراً داخلية في جسمه، ويركز ذهنه على إضرام تلك النار وزيادة أوارها، ويتخيل أن أنفاسه مروحة كبيرة تذكي النار وتزيد لهيبها، ولذلك فإنه يتنفس بطريقة معينة منتظمة، كما لو كانت أنفاسه مروحة تتحرك حركة منتظمة محسوبة، ثم يتخيل أن الحرارة المنبعثة من النار تنتشر في جسمه عبر شبكة توصيلات (متخيلة) لتشيع الدفء في جسمه كله! وقبل نهاية جلسة التأمل، يتخيل ممارس اليوجا أن النار الداخلية تخبو رويداً رويداً إلى أن تخمد جذوتها تماماً!.
وهذه المهارة أو القدرة على إذكاء النار الداخلية لرفع درجة حرارة الجسم، يلزم إظهارها في امتحان يجرى على مزاولي اليوجا في التبت قبل اختيارهم كرهبان، وعادة تختار ليلة مقمرة باردة لإجراء الامتحان، فيجلس المتقدم للامتحان عارياً على حافة نهر أو بحيرة تجمد ماؤها، ثم يلف جسمه بثوب قطني غُمس للتو في ماء مثلج! والهدف من الامتحان أن يقوم المتقدم بتجفيف الثوب القطني، مستعيناً بالنار الداخلية!.
توجيه تأثير العقل
المعروف من علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا أو الفسلجة Physiology) أن تنظيم درجة حرارة الجسم عملية لا إرادية، فكيف يمكن تفسير قدرة بعض ممارسي اليوجا على رفع درجة حرارة أجسامهم كلما أرادوا ذلك؟!.
بعض الأطباء فسر ذلك بأن ممارس اليوجا يستطيع إحداث توسع في الأوعية الدموية، خصوصاً الأوعية الدموية في الأطراف، مما يترتب عليه زيادة تدفق الدم في المناطق من الجسم التي تغذيها تلك الأوعية، وبالتالي ترتفع درجة الحرارة! وعلى رغم أن هذا التفسير يشرح العملية التي تتم بها توزيع الحرارة في الجسم في الظروف العادية، إلا أنه مرفوض في سياق الكلام عن اليوجا، لأن توسيع وتضييق الأوعية الدموية عملية لا إرادية ـ مثلها في ذلك مثل تنظيم درجة حرارة الجسم.
في ضوء المعرفة الطبية المتاحة اليوم، لا يمكن تفسير القدرة على رفع درجة حرارة الجسم بصورة إرادية، إلا إذا قبلنا وجود تأثير للعقل على الجسم، وقبلنا كذلك أنه من خلال توجيه تأثير العقل يمكن التحكم في العمليات والوظائف اللاإرادية في الجسم، علاوة على التحكم في العمليات والوظائف الإرادية.
وأمام النتائج الحاسمة للتجربة المذكورة، لا يملك الإنسان إلا التسليم بوجود تأثير للعقل على الجسم! فإذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، يكون السؤال المطروح هو: هل يمكن توجيه تأثير العقل على الجسم وجهة إيجابية؟! بتعبير آخر: هل يمكن الاستفادة من تأثير العقل على الجسم في الوقاية من المرض ـ مثلا ـ أو في علاج أمراض موجودة فعلا؟!.
هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن »التخيل البصري« يمكن استخدامه كأداة علاجية، خصوصاً في الأمراض المستعصية، فمثلا يستطيع المريض المصاب بالسرطان أن يتخيل خلايا دفاعية في جسمه تهاجم وتقتل خلايا السرطان! ويستطيع مريض قرحة المعدة تخيل خلايا ترتق قرحته!... وهكذا، وجدير بالذكر أن هذه الطريقة استخدمت بالفعل بنجاح كبير مع عدد من مرضى السرطان، بيد أنها لم تحظ بالانتشار بسبب عدم إقرار الأوساط الطبية لها.
على أي حال، فإن إنكار الأوساط الطبية وغيرها لظاهرة تأثير العقل على الجسم يذكرنا بإنكار الأوساط العلمية والكنسية لآراء »جاليليو« التي جاء فيها أن الأرض تتحرك وليست »جسما ثابتا في مركز الكون« كما كان يشيع الاعتقاد في ذلك الزمن! »جاليليو جاليلي Galileo Galilei (???? ـ ????) عالم إيطالي في الرياضيات والفيزياء والفلك«.
ويوم تقر الأوساط الطبية والعلمية بحقيقة تأثير العقل على الجسم، فمن المنظور أن يتغير شكل الممارسة الطبيعة وأسلوبها بصورة جذرية! ويوم يتحقق ذلك، فقد تصبح عبارة »أمراض مستعصية« من أخبار الماضي!.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 11 مارس 2012 - 7:40 من طرف Admin
» مُناجاة المُفتقرينْ
الأحد 11 مارس 2012 - 7:34 من طرف Admin
» مُناجاة العارفين
الأحد 11 مارس 2012 - 7:31 من طرف Admin
» مُناجاة الذّاكرينَ
الأحد 11 مارس 2012 - 7:30 من طرف Admin
» مُناجات المُعتَصِمين
الأحد 11 مارس 2012 - 7:27 من طرف Admin
» مُناجاة الزّاهدين
الأحد 11 مارس 2012 - 7:22 من طرف Admin
» الفرج للمكروب
الأحد 11 مارس 2012 - 7:20 من طرف Admin
» دُعاء السّيفي الصَّغير
الأحد 11 مارس 2012 - 7:19 من طرف Admin
» الدّعاء الْمَعرُوف بيَسْتشير
الأحد 11 مارس 2012 - 7:15 من طرف Admin